طفل يشاهد التلفاز مع والده

التأثير الخفي للإعلانات على الأطفال والمراهقين

في عالمٍ يزداد فيه المحتوى الرقمي يوماً بعد يوم، لم تعد الإعلانات مجرد فواصل قصيرة بين البرامج، بل أصبحت حاضرة في كل مكان يذهب إليه الطفل أو المراهق—من التلفزيون واليوتيوب، إلى التطبيقات والألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي. ومع هذا الحضور المكثف، تزداد قوة تأثير الإعلانات على عقول الصغار، فتؤثر على قراراتهم، رغباتهم، وحتى نظرتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم.

يواجه الأطفال صعوبة في التمييز بين الترفيه والإعلان، خاصة في السنوات الأولى، بينما قد يتمكّن المراهقون من فهم الرسالة الإعلانية، لكنهم يظلون عُرضة لأساليب التلاعب الذكية والمموهة التي تستهدف رغباتهم العاطفية والاجتماعية. ومن هنا، يصبح من الضروري أن نمنح أبناءنا أدوات التفكير النقدي والوعي الرقمي، لنساعدهم على التفاعل مع الإعلانات بذكاء واستقلالية.

في هذا الدليل، نستعرض تأثير الإعلانات بحسب المرحلة العمرية، ونقدّم استراتيجيات عملية للتوعية، الحوار، والحماية، كي يصبح الطفل قادراً على رؤية ما وراء الإعلان، لا فقط ما يظهر على الشاشة.

الأطفال الصغار والإعلانات (0-6 سنوات)

  • من عمر 0-2 سنة: لا يستطيع الأطفال التمييز بين البرامج والمحتوى الإعلاني، ويشاهدون الإعلانات كجزء طبيعي من المحتوى المعروض.

  • من عمر 3-6 سنوات: يبدأ الأطفال في التعرّف على الإعلانات، لكنهم لا يدركون أنها تهدف للبيع. غالباً ما يرونها على أنها ممتعة أو مفيدة.

استراتيجيات لحمايتهم:

  • تقليل وقت الشاشة، خصوصاً المحتوى الذي يتخلله إعلانات.

  • استخدام فترات الإعلانات كاستراحة من الشاشة.

  • التحدث معهم ببساطة عن أن بعض المقاطع هدفها “إقناعنا بشراء أشياء”.

الأطفال في سن المدرسة (7-11 سنة)

في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال بفهم أن الإعلانات تهدف لبيع المنتجات، ويمكنهم تمييز بعض التقنيات الإقناعية، لكنهم قد لا يدركون دقة أو واقعية الرسائل الإعلانية، خاصةً عبر الإنترنت أو اليوتيوب.

كيف يمكن مساعدتهم؟

  • تحدث مع طفلك عن الهدف من الإعلان.

  • اسأله أسئلة مثل: ما المنتج في هذا الإعلان؟، هل الإعلان يستخدم شخصية مشهورة لجذب الانتباه؟، هل تعتقد أن ما يقولونه في الإعلان حقيقي دائماً؟

  • شجّعه على أن يكون فضولياً ويطرح الأسئلة حول ما يراه.

المراهقون والإعلانات (12-18 سنة)

من سن 12-13 سنة، يدرك المراهقون الهدف من الإعلان، لكنهم قد لا يلاحظون الأساليب الخفية مثل جمع البيانات أو الترويج المموه.

بعد سن 14 عاماً، يصبحون أكثر وعياً وتشككاً، لكنهم لا يزالون عرضة للتأثر بالصورة المثالية التي تروّج لها الإعلانات، وخاصة تلك التي تتعلق بالمظهر، أسلوب الحياة، أو النجاح السريع.

نصائح للتعامل مع المراهقين

  • ناقش معهم كيف تُظهر الإعلانات صورة غير واقعية للحياة أو الجسم.

  • شجعهم على التفكير: هل هذه الحياة المعروضة واقعية؟، لماذا نرى إعلانات للوجبات السريعة أكثر من الفواكه والخضروات؟، كيف تؤثر بياناتك على الإعلانات التي تراها؟

  • درّبهم على استخدام التفكير النقدي لتمييز الفرق بين منتج حقيقي ورسالة تسويقية.

اطفال يشاهدون التلفاز

استراتيجيات إعلانية شائعة يجب تعليمها للأطفال والمراهقين

لمساعدة الأطفال والمراهقين على فهم الإعلان وعدم الوقوع في فخه، يمكنك تعريفهم بهذه الأساليب المستخدمة في كثير من الإعلانات:

  • الرشوة: احصل على لعبة أو هدية عند شراء منتج.

  • اللعبة أو المسابقة: فرصة لربح جائزة عند الشراء.

  • الوعد الكبير: “هذا المنتج سيجعل حياتك أفضل!”

  • الصفقة: خصم مؤقت يوحي بالعجلة للشراء.

  • جذب العواطف: استغلال مشاعر الحب أو الخوف.

  • الشخصيات الكرتونية: لإضفاء طابع مرح وجاذب.

  • التأثيرات الخاصة: صور لامعة أو خادعة.

  • التكرار: لجعل المنتج يعلق في الذهن.

  • الموسيقى الجذابة: لربط الإعلان بمشاعر إيجابية.

  • الضحك والفكاهة: جعل الإعلان ممتعًا لخلق ارتباط عاطفي بالمنتج.

التوعية هي خط الدفاع الأول

في زمن أصبحت فيه الإعلانات جزءاً لا يتجزأ من حياة أطفالنا الرقمية واليومية، لم يعد من الممكن تجنّبها بالكامل. لكن يمكننا أن نحمي أبناءنا من تأثيرها الخفي من خلال التوجيه الواعي وتعزيز التفكير النقدي، ليتعلموا أن ليس كل ما يُعرض في الإعلان حقيقي أو ضروري، وأن هذه الرسائل مصممة لإثارة رغبات قد لا تكون نابعة من حاجة حقيقية.

كل لحظة يقضيها الطفل أمام الشاشة، سواء في مشاهدة مقطع أو أثناء لعبة، هي فرصة تربوية يمكننا من خلالها زرع الوعي. بمجرّد أن نتحدث معهم بصدق، ونشجعهم على التساؤل، ونكون نحن قدوة في التعامل مع الإعلانات، فإننا نمنحهم أدوات فهم أعمق للعالم من حولهم.

شاركوهم الحوار، استمعوا لتساؤلاتهم، واشرحوا لهم بلغة بسيطة ما يعنيه الإعلان، وكيف يمكن أن يكون مغرياً عن قصد.

تذكّروا: حمايتنا لأطفالنا لا تعني عزلهم عن العالم، بل إعدادهم لمواجهته بثقة ووعي وتمييز بين الحاجة والرغبة، بين الحقيقة والترويج، وبين الإعلام والإعلان.

 

المصدر 1

المصدر 2

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *