كلمات الطفل الأولى لحظات لا تُنسى، لكن ماذا لو تعثرت تلك الكلمات فجأة؟ قد يُفاجأ الأهل عندما يبدأ طفلهم في تكرار الأصوات أو التوقف فجأة أثناء الحديث. هذه الظاهرة، المعروفة بالتأتأة أو التلعثم، تُعد شائعة لدى الأطفال الصغار بين عمر السنتين والثماني سنوات، وتثير العديد من التساؤلات والقلق لدى الوالدين.
فهل التأتأة طبيعية؟ متى تكون مؤقتة؟ ومتى يجب التدخل؟ في هذا المقال، نسلّط الضوء على كل ما يحتاجه الأهل لفهم التأتأة، وأسبابها، ومتى يجب زيارة المختص، مع استعراض طريقة علاجية فعالة أثبتت نجاحها، وهي برنامج ليدكومب السلوكي.
التلعثم عند الأطفال: فهم المشكلة وكيفية التعامل معها
التلعثم هو مشكلة في النطق تجعل من الصعب على الأطفال التحدث بسلاسة، ويظهر غالباً في بداية الجمل لكنه قد يحدث في أجزاء مختلفة من الكلام. قد يعاني الأطفال من تكرار الأصوات، أو مدّ الأصوات، أو قد يواجهون صعوبة في إصدار الأصوات تماماً، مما يسمى بـ “الكتل”.
أنواع التلعثم الرئيسية
- التكرار: تكرار جزء من الكلمة أو الكلمة كاملة (مثل: “أ أ أ أريد هذا“).
- التمديد: مدّ الصوت لفترة طويلة (مثل: “أأأأأأأأأأريد هذا“).
- الكتل: التوقف عن النطق بشكل كامل قبل إصدار الصوت.
متى يبدأ التلعثم عادةً؟
عادةً ما يظهر التلعثم عند الأطفال بين عمر سنتين وأربع سنوات، حيث يبدأ الأطفال بتكوين جمل أطول. قد يظهر التلعثم فجأة أو يتطور تدريجياً.
تكرار التلعثم وشدته
يختلف تكرار التلعثم وشدته بين الأطفال. فقد يظهر التلعثم لبعض الوقت ويختفي ثم يعود. كما أن هناك مواقف معينة قد تجعل التلعثم أسوأ، مثل الشعور بالتعب أو الإثارة.
تأثيرات التلعثم
- في مرحلة ما قبل المدرسة، قد لا يكون الأطفال واعين بتلعثمهم، وغالباً لا يؤثر على تطورهم الاجتماعي.
- في المدرسة الابتدائية، قد يشعر الطفل بالإحراج أو الإحباط بسبب ردود فعل الآخرين، وقد يبدأ في تجنب الحديث أو تغيير ما يريد قوله لتفادي التلعثم.
- في مرحلة المراهقة، يمكن أن يؤدي التلعثم إلى التوتر أو القلق وانخفاض الثقة بالنفس.
كيفية التعامل مع التلعثم عند الأطفال
من المهم التوجه إلى مختص إذا لاحظت تلعثماً لدى طفلك. يمكن لأخصائي النطق أن يقيّم تلعثم الطفل ويضع خطة مناسبة للتعامل معه. لا يُنصح بانتظار التلعثم ليختفي من تلقاء نفسه، فليس هناك وسيلة للتأكد من ذلك.
برنامج علاج التلعثم للأطفال: برنامج ليدكومب
برنامج ليدكومب (Lidcombe Program) هو برنامج علاجي سلوكي مصمم خصيصاً للأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين يعانون من التلعثم. يهدف البرنامج إلى تقليل أو القضاء على التلعثم من خلال إشراك الأهل في عملية العلاج تحت إشراف أخصائي نطق ولغة مؤهل.
آلية عمل البرنامج
- التدريب والتوجيه: يقوم أخصائي النطق واللغة بتدريب الأهل على كيفية تقديم تعليقات إيجابية للطفل عند تحدثه بطلاقة، وكذلك كيفية التعامل مع حالات التلعثم بطريقة داعمة وغير نقدية.
- جلسات منزلية: يتم تخصيص جلسات يومية قصيرة في المنزل، حيث يتفاعل الأهل مع الطفل باستخدام التقنيات المكتسبة، مما يعزز الطلاقة ويقلل من التلعثم.
- متابعة وتقييم: تُجرى زيارات أسبوعية إلى الأخصائي لتقييم تقدم الطفل وتعديل الاستراتيجيات العلاجية حسب الحاجة.
مراحل البرنامج
- المرحلة الأولى: تركز على تحقيق طلاقة الكلام أو تقليل التلعثم إلى مستوى طفيف جداً.
- المرحلة الثانية: تهدف إلى الحفاظ على مستوى الطلاقة المكتسب على المدى الطويل، مع تقليل تدريجي للتدخلات العلاجية.
فعالية البرنامج
أظهرت الدراسات أن برنامج ليدكومب فعال في خفض اضطراب التلعثم لدى الأطفال في سن ما قبل المدرسة. على سبيل المثال، دراسة نُشرت في “مجلة دراسات الطفولة” عام 2021 أكدت فاعلية البرنامج في تقليل التلعثم لدى عينة من الأطفال في هذه الفئة العمرية.
ملاحظات هامة
- يجب أن يُطبق البرنامج تحت إشراف أخصائي نطق ولغة مؤهل لضمان فعاليته.
- يتطلب البرنامج التزاماً من الأهل في تنفيذ الجلسات المنزلية والمتابعة المستمرة.
أسباب التلعثم
أسباب التلعثم غير معروفة تماماً، لكن يُعتقد أنها قد تكون مرتبطة بتأخر أو خلل في الرسائل التي يرسلها دماغ الطفل إلى عضلات الفم. كما أن للتلعثم عوامل وراثية؛ حيث يميل إلى الانتشار في العائلات.
تذكّروا أن الطفل لا يحتاج فقط إلى علاج، بل إلى تفهم وطمأنينة. التأتأة ليست فشلاً، وليست عيباً في شخصية الطفل، بل هي مرحلة قد يمر بها العديد من الأطفال.
دعمكم النفسي، وصبركم، وابتعادكم عن التصحيح القاسي أو الإحراج العلني، هو ما يمنحه القوة والثقة. إن لاحظتم التأتأة لدى طفلكم، فأنتم لستم وحدكم — الأخصائيون موجودون، والبرامج العلاجية فعالة، وكل خطوة دعم تقدّمونها اليوم، تُثمر مستقبلاً واثقاً وأكثر طلاقة.
أنتم مفتاح الأمان، وبيئتكم الحنونة هي البداية الحقيقية للعلاج