في عصر الإعلام المتواصل، لم تعد الأخبار الكارثية مقتصرة على الكبار، بل أصبحت تصل إلى مسامع وأعين الأطفال حتى في سن مبكرة. قد يلتقط الطفل الصغير صوراً مزعجة من التلفاز أو يسمع عبارات مقلقة من الراديو أو من أحاديث الكبار دون أن يفهم السياق الكامل لما يجري. هذا التعرّض المبكر يمكن أن يربك مشاعر الطفل ويثير لديه مشاعر الخوف أو القلق، حتى وإن بدا غير مدرك تماماً لما يحدث. من هنا، تبرز أهمية دور الأهل في حماية أطفالهم من الآثار النفسية غير المباشرة لمثل هذه الأخبار، وتقديم التفسير والدعم المناسبين لعمرهم الصغير.
أخبار الكوارث والأحداث المزعجة وتأثيرها على الأطفال الصغار
يتعرض الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لعالم من الأصوات والصور دون أن يمتلكوا الأدوات اللازمة لفهمها أو تفسيرها. عندما تكون أجهزة الإعلام مفتوحة كالراديو أو التلفاز أثناء وجود الأطفال، فهم لا يتجاهلون ما يُعرض كما قد نظن، بل تلتقط أعينهم صوراً وأذانهم كلمات قد تبدو لهم مقلقة أو مخيفة. حتى الصحف والمجلات التي قد تحتوي على صور مزعجة، أو فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تُعرض على هواتف الأهل، قد تترك أثراً في نفسية الطفل. هذه المواد قد تتضمن مشاهد لحرائق مدمرة، أو أخبار عن فيضانات، زلازل، أعمال عنف، أو حروب، وكلها مواضيع ثقيلة جداً على عقل طفل صغير لا يزال في طور بناء أمانه النفسي وفهمه للعالم من حوله.
كيفية التقليل من تأثير الأخبار المزعجة على طفلك الصغير
كأهل، يمكننا لعب دور فعّال في حماية أطفالنا من آثار الأخبار المقلقة. أول خطوة تبدأ بالوعي الكامل بكمّ المعلومات التي يتعرّض لها الطفل يومياً. من الأفضل تقليل تعرضه لتلك الأخبار، سواء كانت مرئية أو مسموعة، وذلك بتقليل الوقت الذي يُترك فيه التلفاز أو الهاتف مفتوحاً أمامه. كما أن توفير بيئة هادئة بعيداً عن النقاشات المشحونة أو المقلقة يساعد الطفل على الشعور بالأمان. وإذا لاحظت على طفلك علامات انزعاج أو قلق بعد مشاهدته لخبر معين، فإن الحديث معه بشكل بسيط وصادق يمكن أن يساعده على التعبير عمّا يشعر به والتعامل معه بطريقة صحية، بدلاً من كبت المشاعر أو تفسير الأمور بشكل خاطئ ومخيف.
تأثير تغطية وسائل الإعلام لأخبار الكوارث والأحداث المزعجة على الأطفال الصغار
حتى وإن لم يكن الطفل قادراً على فهم التفاصيل الدقيقة للأخبار التي يسمعها أو يشاهدها، فإن الانفعالات المصاحبة لها قد تترك أثراً عميقاً فيه. مشاهد الحزن، الصراخ، الدمار، أو حتى نبرة القلق في أصوات البالغين، يمكن أن تبث الخوف في نفس الطفل. بالإضافة إلى أن الأطفال الصغار حساسون جداً لمشاعر من حولهم، وقد يشعرون بالخطر حتى لو لم يفهموا سببه. بعضهم قد يظهر ذلك في شكل قلق مفاجئ، اضطرابات في النوم، تعلق زائد بالوالدين، أو حتى بكاء دون سبب واضح. كل هذا يشير إلى أن تعرض الطفل لمثل هذه الأخبار دون تفسير أو دعم قد يكون له آثار سلبية على صحته النفسية.

تقييد تعرّض الأطفال الصغار لأخبار الكوارث والأحداث المزعجة
توفير بيئة إعلامية آمنة هو أحد أدوار الأهل في عصر تهيمن عليه الشاشات. من الأفضل أن نكون حذرين في اختيار ما يُعرض في وجود الطفل، حتى لو كان “فقط في الخلفية”. إيقاف البرامج أو نشرات الأخبار التي تحتوي على مشاهد صادمة فور دخول الطفل الغرفة يمكن أن يكون إجراء بسيطاً لكن فعّالاً. كما يُنصح بعدم التحدث بتفاصيل الأخبار أمام الطفل، لأنهم يلتقطون الكلمات والمشاعر حتى لو كنا نعتقد أنهم لا ينتبهون. أيضاً، تجنّب مشاهدة الأخبار على الهاتف أو مشاركة مقاطع مزعجة أمام الطفل يحميه من التعرض غير المباشر. هذه الخطوات ليست حرماناً للطفل من معرفة ما يجري، بل حماية لصحته النفسية حتى يكون قادراً لاحقاً على استيعاب العالم من حوله بتدرّج ووعي.
الحديث مع الأطفال الصغار حول أخبار الكوارث والأحداث المزعجة
عندما يبدو أن الطفل قد تعرّض لمعلومة مقلقة أو خبر مزعج، فإن أفضل ما يمكن فعله هو التحدث معه، ولكن بحكمة. اختَر وقتاً يكون فيه الطفل هادئاً ومهتماً، مثل وقت اللعب أو قبل النوم، واسأله عمّا رآه أو سمعه، وما الذي فهمه منه. كثيراً ما يتخيل الأطفال أموراً أبعد بكثير من الحقيقة إذا لم يجدوا من يوضحها لهم. بعد أن تستمع له، حاول شرح ما حدث بلغة بسيطة تناسب عمره، وطمئنه أنك بجانبه وأنه في أمان. قد يقول الطفل أشياء غير متوقعة أو يُظهر قلقاً مبالغاً فيه، فلا تحاول تصحيحه فقط، بل احتضن مشاعره واسمح له بالتعبير عنها.
الانتقال إلى نشاط آخر بعد الحديث
بعد التحدث مع الطفل حول موضوع مقلق، من المفيد أن تساعده على الانتقال ذهنياً إلى شيء آخر أكثر إيجابية. يمكن أن يكون هذا من خلال نشاط يحبه مثل التلوين، اللعب، أو قراءة قصة مفضلة لديه. هذا لا يساعد فقط على تخفيف التوتر، بل يعطي الطفل رسالة ضمنية بأن الحياة مستمرة، وأنه لا يزال بإمكانه أن يشعر بالسعادة والأمان بالرغم من الأخبار التي قد تكون أربكته. هذه الخطوة مهمة لإغلاق الحلقة بشكل صحي، وتجنب ترك الطفل غارقاً في تساؤلات أو قلق مستمر بعد انتهاء الحديث.
من خلال تقييد التعرّض للأخبار المزعجة، والتحدث مع الطفل بلغة مبسطة، وتوفير الأمان العاطفي، يمكن للأهل مساعدة أطفالهم على التعامل مع عالم مليء بالتغيرات والأحداث. الأمان النفسي في مرحلة الطفولة المبكرة هو أساس النمو السليم، ويبدأ من لحظات بسيطة كالحضن، والحديث، والاستماع، والطمأنة. إن منح الطفل هذا الدعم يعزز شعوره بالثقة ويعلّمه كيف يتعامل مع المشاعر الصعبة بطريقة صحية، مهما كانت ضغوط العالم الخارجي.