هل تساءلت يوماً لماذا ننام؟ وماذا يحدث لأجسامنا وعقولنا إن لم نحصل على قسط كافٍ من النوم؟ النوم ليس رفاهية، بل حاجة بيولوجية حيوية لا تقل أهمية عن الطعام والماء. تشير الأبحاث إلى أن الحرمان من النوم لا يسبب فقط التعب والنعاس، بل قد يؤدي إلى تغيرات خطيرة في المزاج، والذاكرة، والصحة العقلية، وقد يكون عاملاً مساهماً في أمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب وحتى الزهايمر.
في هذا المقال، نستعرض أهمية النوم، المخاطر الجسيمة المرتبطة بحرمان الجسم منه، ولماذا يُعدّ من أشد وسائل التعذيب النفسي والجسدي التي عرفها الإنسان. كما نشارك نصائح عملية لتعويض النوم المفقود والوقت المناسب لرؤية الطبيب.
ماذا يحدث إذا لم تنم؟
يمكن أن تؤدي ليلة واحدة من النوم السيئ أو المتناقص إلى تأثيرات قصيرة المدى مثل التعب أثناء النهار، ومع ذلك فإن النقص المتكرر أو المستمر في النوم قد يزيد من خطر الإصابة بمشكلات صحية طويلة المدى أو مزمنة. توضح هذه المقالة ما يمكن أن يحدث عندما لا ينام الشخص، كما تقدم بعض النصائح حول كيفية تعويض النوم المفقود

آثار الحرمان من النوم
فيما يلي بعض المشكلات التي قد تحدث إذا لم يحصل الشخص على قسط كافٍ من النوم:
تغييرات في المزاج
شملت الدراسات التي أظهرت وجود ارتباط بين الحرمان من النوم وزيادة في: الغضب، العدائية، الانفجارات العاطفية، كما أشارت أيضاً إلى أن الحرمان من النوم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم اضطرابات المزاج الموجودة مسبقاً مثل الاكتئاب والقلق.
انخفاض القدرة على التعلم
وفقاً لـ (NIH/ معاهد الصحة الوطنية الأمريكية) فإن النوم ضروري لوظيفة الدماغ الصحية، حيث أن أثناء النوم يقوم الدماغ بتوحيد المعلومات التي عالجها على مدار اليوم، ولهذا فإن قلة النوم تؤثر بشكل مباشر على قدرة الشخص على تعلم معلومات أو مهارات جديدة. فيمكن أن يكون لقلة النوم آثار سلبية على: الانتباه، اتخاذ القرارات، الإبداع.
التغييرات في الإدراك والذاكرة
بحثت دراسة أجريت عام 2014 عن العلاقة بين مدة النوم والتدهور المعرفي لدى النساء، ووجدت أن النساء اللاتي ينمن أقل من 5 ساعات أو أكثر من 9 ساعات في الليلة، في وقت لاحق من العمر قد زاد التدهور المعرفي لديهن مقارنة بالنساء اللاتي حصلن على قسط من النوم لمدة 7 ساعات في الليلة في وقت لاحق من حياتهن.
بشكل عام، كانت النساء اللاتي حصلن على القليل جداً من النوم أو الكثير منهن أكثر تقدماً بحوالي عامين من حيث التدهور المعرفي.
زيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر
مرض الزهايمر هو حالة دماغية تقدمية تضعف تدريجياً التفكير والذاكرة، ويقترح بعض العلماء فرضية الأميلويد كتفسير لكيفية تطور مرض الزهايمر. ووفقاً للفرضية يتطور مرض الزهايمر بسبب تراكم بروتينات بيتا أميلويد في الدماغ، حيث تتجمع هذه البروتينات اللزجة معاً لتشكل رواسب كبيرة تسمى لويحات، والتي تعطل الإشارات العصبية في الدماغ، مما يؤدي في النهاية إلى موت خلايا الدماغ، وأشارت دراسة أجريت عام 2018 إلى أن الجهاز المناعي يساعد في إزالة بيتا أميلويد من الدماغ أثناء النوم، ووجدت أن ليلة واحدة من الحرمان من النوم تزيد من مستويات بيتا أميلويد في الدماغ. لذا يقترح الباحثون أن الحرمان من النوم لفترات طويلة قد يزيد من خطر إصابة الشخص بمرض الزهايمر
زيادة فرصة زيادة الوزن
الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة هم أكثر عرضة لارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI) من أولئك الذين ينامون لمدة 8 ساعات كل ليلة، فأثناء النوم يفرز الجسم هرمونات تساعد في تنظيم عملية التمثيل الغذائي ومعالجة الغلوتين وقمع الشهية، ونتيجة لذلك يمكن أن تؤدي قلة النوم إلى زيادة الرغبة الشديدة في تناول الطعام وبالتالي استهلاك السعرات الحرارية الزائدة في اليوم التالي
زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب
ينخفض ضغط الدم بشكل طبيعي أثناء النوم، ووفقاً لمصدر موثوق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الحصول على أقل من 7 ساعات من النوم كل ليلة باستمرار يمكن أن يتسبب في ارتفاع ضغط الدم لفترة أطول، والذي يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، وهذا بدوره يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية.
زيادة خطر الإصابة بمرض السكري
مرض السكري هو نوع من حالات التمثيل الغذائي التي تتميز بارتفاع مستويات السكر في الدم، ويؤدي الحرمان من النوم إلى مضاعفة خطر إصابة الشخص بالنوع الثاني من داء السكري ثلاث مرات تقريباً.
زيادة خطر الإصابة بالعدوى
يبدو أن الناس أيضاً أكثر عرضة للإصابة بالمرض عند حرمانهم من النوم، وبحثت إحدى الدراسات لعام 2015 في العلاقة بين الجهاز المناعي والنوم، ووجد الباحثون أن النوم قد يساعد في تعديل جوانب مختلفة من جهاز المناعة بطريقة تساعد في الحماية من العدوى، وذكروا أيضاً أن قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى انخفاض المناعة.
زيادة خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم
وجدت دراسة أجريت عام 2019 أن هناك خطراً أكبر للإصابة بسرطان القولون والمستقيم بين الأشخاص الذين عانوا من اضطرابات النوم مقارنة بأولئك الذين لم يعانوا من اضطرابات النوم. واقترح الباحثون أن الحرمان من النوم قد يعطل إيقاعات الجسم الطبيعية والهرمونات المنشطة للمناعة التي تساعد في الحماية من سرطان القولون والمستقيم وأنواع أخرى.
كيفية تعويض النوم المفقود
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتمكن الشخص من تعويض ما فقده من نوم ويشعر بفوائد القيام بذلك
يمكن للنصائح التالية أن تساعد في تحسين النوم، وبالتالي المساعدة على تعويض ما فقده الجسم من نوم:
- إنشاء والحفاظ على روتين منتظم لوقت النوم
- الاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم
- أن تكون نشيطاً بدنياً طوال اليوم
- تجنب القيلولة أثناء النهار
- إبعاد جميع الأجهزة الإلكترونية قبل النوم
- عدم تناول وجبات كبيرة قبل النوم
- عدم شرب الكحول أو الكافيين قبل النوم
- أخذ وقتاً للاسترخاء قبل النوم
- فقط استخدم السرير للنوم
- النوم في بيئة باردة وهادئة ومظلمة
متى يجب رؤية الطبيب
قد لا يتطلب تفويت بضع ساعات من النوم من حين لآخر أو عدة مرات في الأسبوع زيارة الطبيب، ففي هذه الحالات يمكن للأشخاص تجربة بعض استراتيجيات الرعاية المنزلية التي ستساعدهم على تعويض نومهم، ومع ذلك يجب على الشخص مراجعة الطبيب إذا واجه أيّاً مما يلي:
- قلة النوم أو نوعية النوم بالرغم من إجراء التغييرات اللازمة
- قلة النوم التي تؤثر على حياة الشخص اليومية
- الأعراض المحتملة لاضطراب النوم والتي قد تشمل:
- عدم القدرة على النوم أو تأخره
- الاستيقاظ بشكل متكرر طوال الليل
- الاستيقاظ مبكراً جداً وعدم القدرة على العودة إلى النوم
- نعس مفرط أثناء النهار
في النهاية، النوم ليس مجرد فترة من الراحة، بل عملية حيوية تعيد التوازن للجسم والعقل. إن الحرمان المزمن من النوم لا يؤثر فقط على الأداء اليومي، بل يمكن أن يهدد الصحة الجسدية والعقلية على المدى الطويل. من التغيرات المزاجية إلى خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الزهايمر والسكري وأمراض القلب، يؤكد العلم الحديث أن النوم الجيد ضرورة لا غنى عنها. ولهذا السبب، تستخدم بعض الأنظمة التعذيب بالحرمان من النوم، لأنه يضرب أعماق الجسد والعقل معاً.
لذلك، احرص على جعل النوم أولوية، لا ترفاً. راقب عاداتك، عدّل نمط حياتك، ولا تتردد في استشارة الطبيب إن استمرت مشكلات النوم لديك. فالنوم الجيد هو استثمار مباشر في صحتك، إنتاجيتك، وسعادتك.