يعاني الأطفال المصابون بالتحدث الانتقائي من عدم القدرة على الكلام في أماكن معينة، مع أشخاص معينين، أو خلال بعض الأنشطة الاجتماعية. ويُعرف التحدث الانتقائي أحياناً بـ”البكم الظرفي”.
غالباً ما لا يتكلم الأطفال في رياض الأطفال أو المدرسة، ولكن في المنزل، يمكنهم التحدث براحة معك ومع أفراد الأسرة المقربين. فالتحدث الانتقائي هو اضطراب قلق، والأطفال المصابون بهذا الاضطراب لا يختارون الصمت بل يرغبون في التحدث ويحاولون ذلك، ولكن القلق يمنعهم.
علامات وأعراض التحدث الانتقائي
يظهر التحدث الانتقائي عادةً في سن الطفولة المبكرة، وغالباً ما يُلاحظ بعد التحاق الطفل بالروضة أو المدرسة، حيث يُطلب منه التفاعل مع أشخاص خارج دائرة الأمان المألوفة. تتنوع الأعراض بين سلوكية وجسدية، وقد تختلف شدّتها من طفل لآخر.
✅ علامات سلوكية
🔹 الصمت الانتقائي مع أشخاص محددين: لا يتحدث الطفل مع المعلمين، الأصدقاء، أو حتى الأقارب، بالرغم من قدرته على التحدث بطلاقة في المنزل.
مثال: قد يرفض الرد على اسمه عند النداء في الصف، رغم أنه يتحدث بحرية في المنزل مع إخوته.
🔹 الاعتماد على الإيماءات بدلاً من الكلام: قد يهز الطفل رأسه “نعم” أو “لا”، أو يشير بيده بدلاً من الرد اللفظي.
🔹 الانسحاب الاجتماعي: يبدو غير مندمج في الأنشطة الصفية أو الجماعية، ويتجنب التحدث أو اللعب مع الآخرين.
🔹 التوتر المفرط عند الطلب منه التحدث: يظهر عليه القلق أو الانزعاج عند سؤاله سؤالاً مباشراً من قبل شخص خارج أسرته.
🔹 صعوبة تكوين صداقات: لا يبادر بالكلام أو الانضمام إلى الأحاديث، مما يُصعّب عليه بناء علاقات اجتماعية طبيعية.
✅ علامات جسدية (مرتبطة بالقلق)
🔹 توتر جسدي واضح: قد يبدو متجمداً في مكانه، يتحاشى النظر في عيون الآخرين، ويُظهر علامات توتر بدني.
مثال: يبقي فمه مغلقًا بشدة ويقبض يديه على بعضها عند الحديث معه.
🔹 أعراض جسدية مرتبطة بالقلق: مثل تسارع ضربات القلب، تعرّق اليدين، رجفة خفيفة، أو ألم في المعدة، خاصة في مواقف تتطلب الحديث.
🔹 صعوبة في التنفس أو البلع: قد يبتلع ريقه باستمرار، أو يتنفس بسرعة عند مواجهة موقف اجتماعي يتطلب الكلام.
🧠 ملاحظات مهمة:
قد لا تُلاحظ هذه الأعراض فوراً؛ فبعض الأطفال يظهرون التحدث الانتقائي بشكل تدريجي. كما أنه من المهم التفريق بين الخجل الطبيعي والتحدث الانتقائي، فالأخير يُعد اضطراباً يتطلب تدخلاً متخصصاً إذا استمر أكثر من شهر.
📌 إذا لاحظت أي من هذه العلامات واستمرت لفترة، فمن الضروري استشارة مختص نفسي للأطفال لتقييم الحالة ووضع خطة علاجية مناسبة.

المساعدة المهنية: متى تطلبها للأطفال المصابين بالتحدث الانتقائي؟
إذا استمر طفلك في عدم التحدث خارج المنزل لمدة تتجاوز ثلاثة أشهر، فهذه علامة واضحة على ضرورة التوجه إلى أخصائي نفسي أو معالج سلوكي متخصص في صحة الأطفال العقلية.
عدم التدخل المبكر قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتأثيرها السلبي على:
🔹 الأداء الدراسي: كالصعوبة في المشاركة الصفية أو الإجابة على الأسئلة.
🔹 الاندماج الاجتماعي: كصعوبة تكوين صداقات أو الانخراط في الأنشطة الجماعية.
🔹 الثقة بالنفس: إذ يبدأ الطفل بالشعور بالعجز أو الإحراج من حالته.
📌 تذكّر: الأطفال المصابون بالتحدث الانتقائي لا يختارون الصمت، بل يمنعهم القلق من التحدث رغم رغبتهم بذلك.
تشخيص التحدث الانتقائي: كيف يتم؟
يتم التشخيص من قبل مختص في الصحة النفسية للأطفال، من خلال:
🔹 ملاحظة سلوك الطفل في بيئات مختلفة: مثل المنزل، المدرسة، أو الأماكن العامة.
🔹 التقييم النفسي للقلق: وذلك للتأكد مما إذا كان التحدث الانتقائي مرتبطاً باضطرابات قلق أخرى.
🔹 استبعاد مشكلات أخرى: مثل اضطرابات اللغة، التوحد، أو الصدمات النفسية.
📋 يعتمد التشخيص على معايير محددة ضمن دليل DSM-5 الذي يُستخدم من قِبل المختصين في الطب النفسي.
العلاجات الفعّالة للتحدث الانتقائي
لا يهدف العلاج فقط لجعل الطفل يتحدث، بل لمساعدته على التغلب على القلق في مواقف التواصل. ومن أبرز العلاجات:
🔹 طريقة السلم التدريجي (Stepladder Approach)
✅ تبدأ بخطوات صغيرة، مثل:
-
-
التواصل بالإيماء أو الإشارة
- التحدث في وجود شخص يشعر الطفل بالأمان معه
-
✅ ثم الانتقال التدريجي إلى:
-
-
-
التحدث بكلمات بسيطة
-
إجراء محادثات قصيرة في بيئات أقل توتراً
-
التفاعل مع زملاء الصف أو المعلمين
-
-
🔹 علاج السلوك المعرفي (CBT)
يركز على مساعدة الطفل في التحكم بأفكاره السلبية المرتبطة بالكلام، وتحويلها إلى أفكار إيجابية داعمة.
🔹 العمل مع المدرسة
من المهم إشراك الكادر المدرسي في خطة العلاج، من خلال:
✅ تهيئة بيئة داعمة وغير ضاغطة
✅ تجنب الإلحاح على الطفل للكلام
✅ تشجيعه عندما يُبدي أي محاولة للتواصل
🔹 العلاج الأسري
يُدرّب الوالدان على طرق الدعم العاطفي والتواصل الفعّال مع الطفل، لتعزيز ثقته بنفسه.
📌 كلما كان التدخل مبكراً، زادت فرص التحسن الكامل. التحدث الانتقائي قابل للعلاج، لكن يحتاج إلى صبر وتعاون من الأهل والمعالج والمدرسة.

نصائح لدعم طفلك المصاب بالتحدث الانتقائي
يعد دور الأهل في دعم الطفل المصاب بالتحدث الانتقائي بالغ الأهمية، خاصةً عندما يُوفَّر له بيئة آمنة وعاطفية تخفف من وطأة القلق الذي يشعر به. إليك أهم النصائح العملية التي يمكنك تطبيقها:
اعترف بقلق طفلك ولا تقلل من مشاعره
✔️ أظهر تعاطفك مع مشاعره، ولا تحاول إجباره على التحدث.
✍️ قل له مثلاً: “أنا أعلم أن التحدث في المدرسة صعب بالنسبة لك، وهذا شيء طبيعي. نحن سنعمل معاً على تخطي ذلك خطوة بخطوة.”
لا تعاقب أو تنتقد الطفل بسبب صمته
❌ تجنّب توبيخه أو مقارنته بالأطفال الآخرين.
✅ بدلاً من ذلك، ركّز على دعم محاولاته الصغيرة حتى لو لم يتحدث بعد.
امدح الإنجازات الصغيرة
✔️ حتى التقدّم البسيط، مثل التحدث أمام أحد أفراد الأسرة خارج المنزل أو الإجابة بإيماءة في المدرسة، يستحق التقدير.
✍️ قل له: “أنا فخور جداً بك لأنك ابتسمت لمعلمتك اليوم. هذا تقدّم رائع!”
استخدم اللعب لبناء الثقة
🧸 النشاطات التفاعلية مثل التمثيل، الرسم، أو ألعاب التخيل تساعد الطفل على التعبير دون ضغط مباشر للكلام.
💡 مثال: قم بتمثيل مسرحية دمى حيث يتحدث الطفل عبر شخصية خيالية، مما يخفف من التوتر.
حافظ على بيئة خالية من الضغط
✅ لا تُشعر الطفل بأنه مراقب أو أنه “يجب” أن يتحدث.
✅ اجعل الأوقات الاجتماعية ممتعة دون التركيز على الكلام.
نسّق مع المدرسة والمعلمين
📘 أخبر المعلمين عن حالة طفلك واطلب منهم:
-
عدم الضغط عليه للمشاركة.
-
توفير فرص آمنة للتواصل (مثل التحدث لمعلم يثق به).
-
احترام صمته وعدم تفسيره على أنه “عناد”.
شجّع على العلاقات الاجتماعية الهادئة
👫 خطط لمواعيد لعب فردية مع طفل واحد فقط، في بيئة مألوفة لطفلك، لتسهيل التفاعل.
كن قدوة في التواصل الإيجابي
🗣️ تحدّث أمام طفلك بهدوء، واظهر مهارات تواصل جيدة، كالنظر في العين والاستماع الفعّال.
الأطفال يتعلمون بالتقليد، ومشاهدة تواصلك الصحي يدعمهم دون توجيه مباشر.
📌 تذكّر: كل طفل يتقدّم بسرعته الخاصة. لا تتسرع في الحكم على التطور أو تصاب بالإحباط إذا تأخر التقدم. الأهم هو الثبات، الدعم، والاحتواء المستمر.
يُعد التحدث الانتقائي أكثر من مجرد خجل أو تردد؛ إنه اضطراب قلق حقيقي يمكن أن يؤثر على حياة الطفل التعليمية والاجتماعية بشكل كبير. الفهم المبكر لهذه الحالة والتعامل معها بلطف واحتواء، إلى جانب الدعم النفسي المتخصص، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيرًا في رحلة الطفل نحو التعافي. تذكّر أن الصبر، والتشجيع المستمر، وتهيئة بيئة آمنة للتعبير، هي مفاتيح مهمة في دعم طفلك. لا تتردد في طلب المساعدة المتخصصة إذا لاحظت أن صمت طفلك خارج المنزل يستمر لأشهر. مع الرعاية المناسبة، يمكن لطفلك أن يجد صوته من جديد.