في لحظة واحدة، يتحول الطفل الهادئ إلى كتلة من المشاعر المتفجرة: صراخ، بكاء، ركل، وربما حتى رفض لأي تواصل. مشهد مألوف لكل والد ومربٍ، لكنه يطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا تحدث نوبات الغضب؟
نوبات الغضب ليست مجرد “سوء تصرف”، بل هي جزء طبيعي من نمو الطفل العاطفي، وتعبير فطري عن مشاعر لا يستطيع ترجمتها بالكلمات. في هذا المقال، نغوص معاً في فهم هذا السلوك، أسبابه، وكيفية الاستجابة له بوعي وثقة.
تأتي نوبات الغضب بأشكال وأحجام مختلفة، ويمكن أن تشمل انفجارات مذهلة من الغضب والإحباط والسلوك غير المنظم عندما “يفقد” طفلك السيطرة. قد ترى صراخاً، تصلباً في الأطراف، تقوس الظهر، الركل، السقوط على الأرض، التلويح بالحركة، أو الهروب. في بعض الحالات، قد يحبس الأطفال أنفاسهم، أو يتقيأون، أو يكسرون الأشياء، أو يؤذون أنفسهم أو الآخرين كجزء من نوبة الغضب.
لماذا تحدث نوبات الغضب؟
نوبات الغضب شائعة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1-3 سنوات، وذلك لأن الأطفال الصغار لا يزالون في مرحلة مبكرة من التطور الاجتماعي والعاطفي واللغوي، كما لا يمكنهم دائماً التعبير عن احتياجاتهم ومشاعرهم، بما في ذلك رغبتهم في القيام بالأشياء بأنفسهم، لذلك قد يشعرون بالإحباط. لذا، فإن نوبات الغضب هي إحدى الطرق التي يعبر بها الأطفال الصغار عن مشاعرهم ويتعاملون معها، ويحاولون فهم أو تغيير ما يحدث حولهم.
قد يعاني الأطفال الأكبر سناً من نوبات الغضب أيضاً، وقد يكون ذلك لأنهم لم يتعلموا بعد طرقاً آمنة للتعبير عن مشاعرهم أو التعامل معها.
بالنسبة للأطفال الصغار والأكبر سناً، هناك عوامل تجعل نوبات الغضب أكثر احتمالاً للحدوث:
- الطبع: يؤثر الطبع على مدى سرعة وحدة ردود أفعال الأطفال تجاه الأشياء مثل الأحداث المحبطة أو التغيرات في بيئتهم، فالأطفال الأكثر حساسية قد ينزعجون بسهولة أكبر من هذه الأمور.
- الضغط والتوتر، الجوع، التعب والإفراط في التحفيز: يمكن أن تجعل من الصعب على الأطفال التعبير عن مشاعرهم وإدارتها والبقاء هادئين.
- مواقف لا يستطيع الأطفال التعامل معها: على سبيل المثال، قد يواجه الطفل الصغير مشكلة إذا أخذ طفل آخر لعبة منه.
- المشاعر القوية: مثل القلق أو الخوف أو الخجل أو الغضب قد تكون مشاعر طاغية على الأطفال.
التنظيم الذاتي هو القدرة على فهم المشاعر وردود الفعل وإدارتها، حيث يبدأ الأطفال في تطوير هذه القدرة من عمر 12 شهراً تقريباً، ومع تقدم الطفل في العمر، يصبح أكثر قدرة على التحكم في ردود أفعاله وتهدئة نفسه عندما يحدث شيء مزعج، وستلاحظ قلة نوبات الغضب كنتيجة لذلك.
كيف تجعل نوبات الغضب أقل احتمالاً للحدوث؟
إليك بعض الأمور التي يمكنك القيام بها لجعل نوبات الغضب أقل احتمالاً:
- ساعد طفلك على فهم مشاعره، حيث يمكنك البدء بذلك منذ الولادة باستخدام كلمات تصف المشاعر مثل “سعيد”، “حزين”، “غاضب”، “متعب”، “جائع” و”مرتاح”.
- حدد مسببات نوبات الغضب مثل التعب أو الجوع أو القلق أو الخوف أو الإفراط في التحفيز. قد تتمكن من التخطيط لتجنب هذه المواقف – على سبيل المثال، قم بالتسوق بعد أن يأخذ طفلك قسطاً من النوم أو تناول الطعام.
- عندما يتعامل طفلك مع موقف صعب دون نوبة غضب، شجعه على الانتباه إلى شعوره. على سبيل المثال: “لقد رأيتك تبني البرج مرة أخرى دون أن تغضب عندما انهار. كيف شعرت؟ هل شعرت بالقوة والهدوء؟“
- تحدث عن المشاعر بعد نوبة الغضب عندما يكون طفلك هادئاً. على سبيل المثال: “هل رميت اللعبة لأنك كنت غاضباً لأنها لم تعمل؟ ما الذي كان يمكنك القيام به بدلاً من ذلك؟“
- قم بنمذجة ردود أفعال إيجابية تجاه الضغوط. على سبيل المثال: “أنا قلق من أن حركة المرور قد تجعلنا نتأخر. إذا أخذت بعض الأنفاس العميقة، سيساعدني ذلك على الهدوء“.
بعض الأطفال الصغار الذين لا يزالون يتعلمون الكلام يعانون من نوبات الغضب لأنهم يشعرون بالإحباط. تعليم طفلك بعض الإشارات الأساسية للكلمات مثل “غاضب” أو “جائع” يمكن أن يساعده حتى يتعلم الكلمات التي يريد قولها.
كيفية التعامل مع نوبات الغضب عندما تحدث
في بعض الأحيان، تحدث نوبات الغضب مهما حاولت تجنبها، وعندما تحدث نوبة الغضب، تعتمد كيفية الاستجابة على عمر طفلك:
- بالنسبة للأطفال الصغار، ابقَ قريباً، قدم الراحة، وطمئن الأطفال بأنك تفهم مشاعرهم.
- بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، يمكنك استخدام 5 خطوات للتهدئة – حدد العاطفة، قم بتسميتها، توقف مؤقتاً، دعم طفلك أثناء تهدئته، وتناول المشكلة التي أثارت نوبة الغضب.
إليك النصائح التالية التي قد تساعد في جعل نوبات الغضب تمر بأقل قدر من الضيق للجميع:
- تأكد من أن طفلك والأشخاص المحيطين به في أمان، قد يعني ذلك حمل طفلك إلى مكان آخر إذا لزم الأمر.
- بمجرد أن يكون طفلك في مكان آمن، اعترف بهدوء بالعاطفة التي يعبر عنها – تحدث ببطء وبصوت منخفض.
- ابقَ بهدوء مع طفلك حتى يهدأ. المسه أو احتضنه إذا أراد، أو أعطه مساحة إذا كان بحاجة إلى ذلك، ولا تحاول التفاهم مع طفلك في هذه اللحظة.
- كن ثابتاً في عدم الرضوخ للمطالب، سيساعد ذلك طفلك على التعلم أن نوبات الغضب لن تجلب له ما يريد.
- جرب “تعليمات متناقضة”، يعني هذا منح طفلك الإذن بالصراخ والصياح حتى يكون مستعداً للتوقف. على سبيل المثال: “يمكنك أن تصرخ بصوت أعلى إذا أردت. الحديقة كبيرة ونحن لا نزعج أحداً“.
- قدم الراحة لطفلك عندما يهدأ، حيث أن نوبة الغضب مرهقة للجميع.
التعامل مع نوبات الغضب
إذا استطعت أن تبقى هادئاً عندما يمر طفلك بنوبة غضب، فإن ذلك يعطي طفلك نموذجاً لسلوك هادئ. إليك بعض الأفكار للحفاظ على هدوئك ورؤية الأمور بمنظور صحيح خلال نوبات الغضب:
- ضع خطة واضحة لكيفية التعامل مع نوبة الغضب في أي موقف تكون فيه، وركز على تنفيذ خطتك عندما تحدث نوبة الغضب.
- تقبل أنك لا تستطيع التحكم في مشاعر طفلك أو سلوكه بشكل مباشر، حيث يمكنك فقط الحفاظ على سلامة طفلك وتوجيه سلوكه بحيث تصبح نوبات الغضب أقل احتمالاً في المستقبل.
- تقبل أن التغيير يستغرق وقتاً، وأن لدى طفلك الكثير لينضج قبل أن تختفي نوبات الغضب نهائياً، لذا فإن تطوير مهارات التنظيم الذاتي وممارستها هو مهمة تستمر مدى الحياة.
- احذر من التفكير بأن طفلك يفعل ذلك عمداً أو يحاول إزعاجك، فالأطفال لا يقومون بنوبات الغضب عن عمد، بل هم عالقون في عادة سيئة أو ليس لديهم المهارات الكافية للتعامل مع الموقف في الوقت الحالي.
- حافظ على حس الفكاهة لديك، ولكن لا تضحك على نوبة الغضب – إذا فعلت ذلك، فقد يكافئ طفلك بالاهتمام، وقد يغضب طفلك أكثر إذا شعر أنك تضحك عليه.
- إذا قام الآخرون بالنظر إليك بنظرات استياء، تجاهلهم، فإما أنهم لم يكن لديهم أطفال أو أن الأمر قد مر عليه زمن طويل لدرجة أنهم نسوا ما هو الشعور.
- كن لطيفاً مع نفسك عندما لا تسير الأمور كما خططت وتحدث نوبة غضبن وتذكر أن تربية الأطفال مهمة كبيرة وهامة، ويتعلمها جميع الآباء أثناء تقدمهم، كما أنك تقوم بأفضل ما لديك، ولا يمكنك التحكم في كل شيء.