يمر الأطفال خلال مراحل نموهم بسلسلة من التطورات الجسدية والعقلية والسلوكية التي تبني مهاراتهم الأساسية، مثل المشي، الكلام، اللعب، والتواصل. لكن في بعض الحالات، قد يلاحظ الأهل أن طفلهم قد بدأ يفقد مهارات كان قد اكتسبها سابقاً، في ظاهرة تُعرف باسم “التراجع في النمو”. هذا النوع من التراجع قد يكون مؤشراً على وجود اضطراب في النمو أو مشكلة صحية تحتاج إلى تقييم فوري ودقيق. في هذا السياق، يصبح فهم طبيعة التراجع، علاماته، وأسبابه خطوة أساسية لمساعدة الطفل وتقديم الدعم المناسب له.
ما هو التراجع في النمو؟
التراجع في النمو هو عندما يفقد الطفل مهارات كان قد اكتسبها سابقاً، مثل القدرة على المشي أو الكلام. يمكن أن يحدث التراجع في النمو في أي عمر وقد يكون مرتبطاً بحالة طبية خطيرة. يمكن أن يكون الفقدان في المهارات كلياً، مثل عندما يتوقف الطفل تماماً عن الكلام بعد أن كان يتحدث، أو جزئياً، مثل فقدان بعض الكلمات. قد يحدث هذا الفقدان بسرعة أو بشكل تدريجي على مدى أشهر.
التراجع في النمو يختلف عن التأخر في النمو. ومع ذلك، يمكن للأطفال الذين يعانون من تأخر في النمو أن يعانوا أيضاً من التراجع في المهارات.
علامات التراجع في النمو
العلامات تختلف حسب عمر الطفل ومرحلة نموه:
🔹 الرضع والأطفال الصغار
يمكن أن يظهر التراجع في المهارات عند فقدان الطفل لبعض القدرات مثل:
- الثرثرة أو قول كلمات بسيطة أو استخدام الإيماءات
- الاهتمام باللعب مع الآخرين
- استخدام الأصابع للإمساك بالأشياء
- الزحف، الوقوف، المشي أو الحركة
🔹 الأطفال في سن المدرسة والمراهقين
تشمل العلامات فقدان مهارات مثل:
- التحدث، الفهم أو استخدام الإيماءات
- التفاعل الاجتماعي أو الاهتمام بالآخرين
- القدرة على المشي، الجري أو الحركة
- المهارات اليومية مثل ارتداء الملابس أو تنظيف الأسنان
- التركيز والانتباه
- المهارات الأكاديمية مثل القراءة، الكتابة والرياضيات

ما يجب فعله إذا ظهرت علامات التراجع في النمو
من المهم استشارة طبيب إذا لاحظت علامات التراجع في نمو طفلك. قد يحيلك الطبيب إلى مختصين لتشخيص السبب وتقديم العلاج المناسب. من بين هؤلاء الأطباء:
- طبيب الأطفال للمساعدة في تقييم المهارات المفقودة
- طبيب الأعصاب إذا كان التراجع مرتبطاً بمشاكل في الدماغ أو الجهاز العصبي
- اختصاصي الجينات إذا كان التراجع ناتجاً عن حالة وراثية
- اختصاصي التمثيل الغذائي إذا كان التراجع بسبب مشاكل في التمثيل الغذائي
- اختصاصي الصحة النفسية إذا كان هناك قلق حول الحالة النفسية للطفل
تشخيص التراجع في النمو
سيقوم الطبيب بطرح أسئلة حول المهارات التي فقدها الطفل، مدة فقدان المهارة، وما هي المهارات التي كانت موجودة قبل الفقدان. قد يتم استخدام الصور أو الفيديوهات لتحديد التغييرات. وقد يقوم الطبيب بإجراء فحوصات مثل فحص الدم، البول، أو إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ. كما قد يوصي بتقييم السمع أو النظر حسب المهارة المفقودة.
العلاج والدعم للأطفال والمراهقين
يعتمد العلاج على سبب ونوع الفقدان، وقد يتضمن الأدوية أو العلاج بالتخاطب، العلاج الوظيفي، أو دعم نفسي. ويمكن أن يتضمن العلاج مختلف التخصصات الصحية:
- أخصائي النطق للمساعدة في تطوير مهارات التواصل
- المعالج الوظيفي للمساعدة في المهارات الحركية والأنشطة اليومية
- أخصائي نفسي للمساعدة في السلوك والتعلم
حالات شائعة لتراجع النمو
الأطفال الذين يعانون من الحالات التالية غالباً ما يواجهون تراجعاً في النمو:
- التوحد
- حالات الخرف في الطفولة، مثل متلازمة MPS
- اضطرابات النمو والصرع، مثل متلازمة Landau Kleffner
- متلازمة داون
- متلازمة فيلان-ماكديرميد
- متلازمة ريت

متلازمة فيلان-ماكديرميد (Phelan-McDermid Syndrome)
متلازمة فيلان-ماكديرميد هي اضطراب جيني نادر يحدث بسبب حذف أو تغيرات في الجين المسمى SHANK3، وهو جين مهم لتطوير الاتصال بين الخلايا العصبية في الدماغ. هذه المتلازمة ترتبط بمجموعة من الأعراض تتفاوت في شدتها بين الأفراد، وتتضمن:
- التأخر في التطور: حيث يظهر الأفراد المصابون تأخراً في اكتساب المهارات الحركية واللغوية
- مشاكل التواصل: يواجه العديد من الأشخاص المصابين صعوبة في التواصل اللغوي، وقد يكون لديهم مستوى منخفض من القدرة على التعبير اللغوي أو غيابه تماماً
- ضعف العضلات: قد يعاني المصابون من ضعف عام في العضلات، ما يؤدي إلى صعوبة في الحركة والتحكم العضلي
- خصائص سلوكية تشبه التوحد: مثل صعوبة التواصل الاجتماعي والميل إلى السلوكيات المتكررة
- مشاكل طبية إضافية: قد تشمل اضطرابات النوم، ومشاكل في الجهاز الهضمي، والنوبات العصبية في بعض الحالات
هذه المتلازمة غالباً ما تُشخص من خلال اختبار جيني يحدد الخلل الموجود في الجين SHANK3، ولا يوجد علاج شافٍ حتى الآن، لكن يُستخدم العلاج التأهيلي والسلوكي والعلاج الطبيعي لتحسين نوعية حياة المصابين ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم بشكل أفضل.
متلازمة ريت (Rett Syndrome)
متلازمة ريت هي اضطراب جيني عصبي نادر يؤثر بشكل رئيسي على الإناث، ويحدث نتيجة طفرات في جين MECP2 الموجود على الكروموسوم X. تُعتبر هذه المتلازمة واحدة من اضطرابات النمو العصبي وتؤثر بشكل كبير على القدرات الحركية والتواصلية للمصابين.
🔹 الخصائص والأعراض
عادةً ما تكون الفتيات المصابات بمتلازمة ريت ولادات طبيعية ويبدأن في التطور بشكل طبيعي خلال الأشهر الأولى من الحياة. لكن في فترة تتراوح بين 6 إلى 18 شهراً، تبدأ بعض الأعراض المميزة في الظهور، ومنها:
- تأخر في النمو: يبدأ الطفل في فقدان بعض المهارات المكتسبة مثل الكلام والحركة.
- فقدان القدرة على استخدام اليدين: حيث يحدث نوع من الحركات النمطية والمتكررة باليدين مثل حركات العصر أو التصفيق.
- مشاكل في التوازن والحركة: قد تشمل صعوبة في المشي والتوازن، وقد تؤدي إلى عدم القدرة على المشي في بعض الحالات.
- تأخر في النطق: غالباً ما يؤدي الاضطراب إلى فقدان القدرة على الكلام أو تقليلها بشكل كبير.
- مشاكل في التنفس: مثل التنفس السريع أو الاحتفاظ بالنفس لفترات قصيرة.
- مشاكل في الجهاز العصبي: قد يصاب البعض بنوبات تشنجية وصرعية.
- خصائص سلوكية تشبه التوحد: مثل العزلة الاجتماعية وعدم التفاعل مع المحيط بشكل طبيعي.
🔹 الأسباب
تحدث متلازمة ريت بسبب طفرات في جين MECP2، وهذا الجين يلعب دوراً هاماً في تطوير الخلايا العصبية وعملها في الدماغ. ونظراً لأن الجين MECP2 موجود على الكروموسوم X، فإن الفتيات لديهن نسختين منه، وبالتالي تكون الأعراض أخف من الذكور (الذين يفتقدون نسخة إضافية) وغالباً لا ينجون حتى الولادة أو يكون لديهم اضطراب شديد.
🔹 العلاج والرعاية
لا يوجد علاج شافٍ لمتلازمة ريت، لكن يتم التركيز على تحسين الأعراض والتخفيف منها باستخدام طرق متعددة تشمل:
- العلاج الطبيعي والوظيفي لتحسين الحركة والتوازن
- العلاج السلوكي واللغوي لتحسين التفاعل والتواصل
- العلاج الدوائي للتحكم في التشنجات والنوبات العصبية
- الدعم النفسي والتأهيلي للأسرة لتساعد في التعامل مع المتلازمة وتحسين جودة الحياة
التراجع في النمو ليس مجرد مرحلة عابرة يمكن تجاهلها، بل هو علامة مهمة تستدعي الانتباه والتدخل المبكر. كلما تم التعرف على التغيرات في مهارات الطفل في وقت مبكر، زادت فرص تشخيص السبب وتقديم الدعم الفعّال الذي قد يحدّ من التأثيرات طويلة الأمد. إن التعاون بين الأهل ومقدمي الرعاية الصحية، إلى جانب توفير بيئة محبة وداعمة، يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في حياة الطفل ويساعده على استعادة بعض المهارات وتطوير قدراته المستقبلية بثقة وأمل.
المصدر 2
المصدر 4
المصدر 5