أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد: التحديات والدعم العاطفي داخل الأسرة

أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد: التحديات والدعم العاطفي داخل الأسرة

أن تكون شقيقاً لطفل مصاب بالتوحد ليس بالأمر السهل دائماً، فقد تحمل هذه العلاقة الكثير من التفاهم والمحبة، لكنها قد تحمل أيضاً تحديات عاطفية وسلوكية لا يشعر بها سوى من يعيشها يومياً. الأشقاء قد يظهرون نضجاً مبكراً، تعاطفاً عميقاً، ووعياً يتجاوز أعمارهم، لكنهم أيضاً قد يشعرون بالحزن، التوتر، أو حتى الغيرة في بعض الأحيان.

في هذا المقال، نسلط الضوء على التجارب التي يمر بها أشقاء الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد، ونقدّم نصائح عملية للآباء والأمهات لمساعدتهم على فهم مشاعر أطفالهم وتقديم الدعم المناسب لهم، مع تعزيز الروابط الأسرية الصحية والمتوازنة.

أشقاء الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد

يمر معظم الأشقاء بأوقات من التفاهم والخلاف معاً؛ فالأخوة تمنح فرصاً للعب والمشاركة، لكنها قد تتضمن أيضاً خلافات وشجارات. وغالباً ما يكون لأشقاء الأطفال المصابين بالتوحد أو الذين لديهم احتياجات إضافية أكثر عطفاً وتفهماً واستقلالية، وأكثر استجابة لاحتياجات الآخرين. لكن قد يشعرون أحياناً بالحزن أو القلق أو الارتباك. ومن الطبيعي أن يشعر الأشقاء بمشاعر متغيرة حول وضع عائلتهم.

توضيح التوحد للأشقاء

يمكنك تعزيز العلاقات بين أطفالك من خلال التحدث عن التوحد وتوضيحه لهم، حيث تساعد هذه المحادثات الأطفال على الحصول على معلومات دقيقة، مما يقلل من القلق أو الارتباك، كما توفر لك فرصة للحديث عن التنوع العصبي وقبوله في عائلتك.

كما أن التحدث عن معنى التوحد بالنسبة لطفلك المصاب قد يساعد أشقاءه في رؤية وفهم شخصيته ككل، وليس فقط التحديات التي يواجهها مثل الشعور بالارتباك في الأماكن الصاخبة، بل أيضاً نقاط قوته، مثل ذاكرته القوية. يُفضّل بدء الحديث عن التوحد في أقرب وقت تشعر فيه بأن أطفالك يمكنهم الفهم، أو بمجرد أن يلاحظوا أن شقيقهم يتصرف بطريقة مختلفة عن غيره من الأطفال. كلما كبر الأطفال، كلما زادت أسئلتهم تعقيداً وحاجتهم لمزيد من المعلومات.

خطوات للتحدث مع أطفالك عن التوحد

يمكنك تعديل هذه الخطوات وفقاً لأعمار الأطفال ومستوى تطورهم:

  1. اسأل أطفالك عن ما يعرفونه بالفعل. يمكنك طرح أسئلة مثل: “أختك مصابة بالتوحد. هل سمعت عن التوحد من قبل؟”، أو “هل لاحظت أن أختك تلعب بطريقة مختلفة عنك؟”.
  2. استخدم لغة وأفكاراً تتناسب مع فهمهم. على سبيل المثال: “التوحد يجعل الناس يفكرون بطريقة مختلفة عنك. قد يلعب بعض الأشخاص المصابين بالتوحد أو يتحدثون بطريقة مختلفة، أو يجدون صعوبة في فهم مشاعر الآخرين”، أو “أختك لم تتعلم بعد كيفية لعب تلك اللعبة، لذلك قد تلعبها بطريقة مختلفة”.
  3. كن مستعداً لشرح الأمور عدة مرات.
  4. يمكنك قراءة كتب عن التوحد مع أطفالك، مثل “كل خطوط حياتي” لشاينا رودولف وأليسون سينجر، و”قلب البطل” لكريستل لاند، و”أخي تشارلي” لهولي روبنسون بيت وريان إليزابيث بيت.
مرض التوحد
مرض التوحد

تخصيص وقت خاص لأشقاء الأطفال المصابين بالتوحد

يحتاج كل الأطفال إلى وقت خاص مع والديهم، ولكن هذا يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص لأشقاء الأطفال المصابين بالتوحد. كما يُظهر الوقت الخاص أن كل طفل مميز وأن مشاعره وتجاربه مهمة لك. هذا يعزز ثقته بنفسه وشعوره بالانتماء للعائلة. وعندما يشعر الأطفال بالإيجابية نحو أنفسهم، فإن ذلك ينعكس على علاقاتهم مع أشقائهم.

أفكار لتخصيص وقت خاص للأطفال

🔹 خصص وقتاً يومياً لأطفالك. قد يكون ذلك بقراءة قصة قبل النوم أو التحدث معهم لمدة 10 دقائق في نهاية اليوم حول 3 أشياء إيجابية قاموا بها.

🔹 توقف عما تفعله واستمع عندما يرغب أطفالك في التحدث إليك. هذا مفيد إذا لم تتمكن من تخصيص وقت محدد يومياً.

🔹 قم بأنشطة خاصة مع أطفالك، مثل الذهاب إلى حمام السباحة أو مشاهدة فيلم.

🔹 استخدم جليس أطفال موثوقاً أو مقدم رعاية لفترة مؤقتة للعناية بطفلك المصاب بالتوحد لبضعة أيام، مما يتيح لك فرصة قضاء وقت خاص مع أطفالك الآخرين.

البحث عن طرق لقضاء وقت ممتع بين الأطفال المصابين بالتوحد وأشقائهم

عادةً ما يشعر أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد بالإيجابية تجاه أشقائهم، لكن قد لا تكون علاقاتهم متينة بسبب صعوبات التواصل الاجتماعي التي يواجهها الأطفال المصابون بالتوحد. ومن الطرق لتعزيز العلاقات بين أطفالك هي البحث عن أنشطة يمكنهم جميعًا الاستمتاع بها والتفاعل من خلالها، مثل اللعب بالرمل أو القطار أو ممارسة كرة السلة.

وضع قواعد وأدوار ومسؤوليات للعائلة

من المهم أن يشعر أطفالك بأنهم يُعاملون بشكل عادل ويقدمون مساهمات في الحياة العائلية، مما يشجع الجميع على التعاون كعائلة ويعلم الأطفال المهارات اليومية والاستقلالية.

أفكار لإنشاء قواعد وأدوار ومسؤوليات عادلة

🔹 ضع قواعد عائلية عادلة ومتسقة لجميع أطفالك حيثما أمكن.

🔹 استخدم استراتيجيات لتعزيز السلوك الإيجابي لدى جميع أطفالك.

🔹 حاول أن تكون عادلاً ومتسقاً في التعامل مع السلوك العدواني أو المؤذي من جميع أطفالك.

🔹 وزع المهام المنزلية بما يتناسب مع أعمار أطفالك ومستويات تطورهم وقدراتهم.

إدارة المشاعر الصعبة لدى الأشقاء

قد يشعر أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد بمشاعر سلبية وصعبة تجاه أشقائهم. على سبيل المثال، قد يشعرون في أوقات مختلفة بـ:

🔹 الغيرة من الوقت الذي تقضيه مع شقيقهم

🔹 الإحباط إذا لم يظهر شقيقهم رغبة في اللعب معهم

🔹 الغضب إذا شعروا أنك تعاملهم بشكل مختلف

🔹 التوتر بسبب مسؤوليات إضافية في المنزل أو المدرسة

🔹 الحماية تجاه شقيقهم والغضب إذا استهزأ بهم الآخرون

🔹 الإحراج أثناء الخروج بسبب الانتباه غير المرغوب فيه

🔹 الذنب بسبب شعورهم بالإحراج أو الغضب تجاه شقيقهم

🔹 القلق من احتمال انفصالك أو طلاقك عن شريكك بسبب وضع العائلة

🔹 القلق أو الاستياء من احتمال دورهم المستقبلي كراعٍ لشقيقهم.

مرض التوحد
مرض التوحد

أفكار لمساعدة الأطفال الذين يواجهون مشاعر صعبة

🔹 كن مدركاً لمشاعر أطفالك وقدم لهم الدعم. على سبيل المثال، إذا قال طفلك “أكره اللعب مع أخي لأنه يأخذ ألعابي”، يمكنك الرد: “لا بد أن هذا مزعج حقاً”.

🔹 تحدث مع أطفالك عن مشاعرهم بطريقة غير تحكمية. على سبيل المثال، يمكنك القول “أنا لست غاضباً منك. أخبرني بما حدث وكيف جعلك تشعر”.

🔹 ابحث عن منافذ إيجابية لمشاعر أطفالك. على سبيل المثال، قد يرغب أطفالك في الرسم أو التلوين للتعبير عن مشاعرهم.

🔹 شارك مشاعرك الخاصة لمساعدة أطفالك على فهم أن مشاعرهم طبيعية. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول إنك تشعر بالإحباط أحياناً أيضاً.

تشجيع شبكة دعم خارج العائلة

يمكن أن تساعد مجموعات دعم الأشقاء أطفالك في إدراك أنهم ليسوا وحدهم، وتفهم أن مشاعرهم طبيعية. كما قد تُحسّن مجموعات دعم الأشقاء من العلاقات بين الأطفال. كما يمكن أن تكون مجموعة دعم الأسر المصابة بالتوحد وسيلة رائعة للتعرف وتكوين صداقات مع أشخاص في نفس الوضع. كما أنها تتيح لأطفالك فرصة التعرف على أشقاء آخرين لأطفال مصابين بالتوحد.

بالإضافة إلى ذلك الهوايات أو الأنشطة يمكن أن تكون طريقة أخرى لأطفالك للتواصل مع أصدقاء داعمين، وقد يكون العلاج النفسي أيضاً فكرة جيدة إذا كان الأطفال يجدون صعوبة في التعامل مع الوضع.

العلاقة بين الأشقاء ليست مجرد مشاركة للمنزل أو الألعاب، بل هي تفاعل عاطفي عميق يتأثر بكل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية، خصوصاً في حال وجود طفل مصاب بالتوحد في العائلة. من خلال التفهّم، الحوار المفتوح، وتوفير وقت خاص لكل طفل، يمكن للأسرة أن تخلق بيئة محبة وعادلة يشعر فيها كل طفل بأنه مسموع ومقدَّر، وإذا احتاج الأشقاء إلى دعم إضافي، فإن مجموعات الدعم أو العلاج النفسي يمكن أن تكون أدوات فعالة لمساعدتهم على فهم مشاعرهم والتعامل معها بشكل صحي.

في النهاية، الطفل المصاب بالتوحد لا يحتاج فقط إلى الدعم، بل يحتاج أيضاً إلى أشقاء يشعرون بالأمان والثقة والاحتواء… وهذه مسؤولية الأسرة بأكملها.

 

المصدر

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *