اضطرابات النطق عند الأطفال من عمر 1 إلى 8 سنوات: كيف تكتشفها وتتعامل معها؟

اضطرابات النطق عند الأطفال من عمر 1 إلى 8 سنوات: كيف تكتشفها وتتعامل معها؟

تعلُّم النطق والكلام هو أحد أهم مراحل النمو لدى الأطفال، ويبدأ من عمر مبكر جدًا. يمر الأطفال خلال هذه المرحلة بتطورات متسارعة، وقد يواجه بعضهم صعوبات في نطق الأصوات أو تركيب الكلمات. من الطبيعي أن يُخطئ الطفل في نطقه لبعض الكلمات أثناء تعلمه، ولكن في بعض الحالات قد تشير هذه الأخطاء إلى وجود اضطراب يحتاج إلى متابعة. في هذا المقال، سنتعرّف معًا على كيفية تطور النطق عند الأطفال، العلامات التي قد تشير إلى اضطراب، ومتى يجب طلب المساعدة من مختص، بالإضافة إلى نصائح فعالة لدعم طفلك في تنمية مهاراته الكلامية.

فهم تطور النطق عند الأطفال: خطوة بخطوة نحو الكلام الواضح

تعلُّم النطق هو من أولى المهارات التي يبدأ الطفل باكتسابها منذ الأشهر الأولى من حياته، ويُعدّ جزءاً أساسياً من نموه اللغوي والتواصلي. النطق لا يعني فقط قول الكلمات، بل يتطلب تنسيقاً دقيقاً بين الشفاه، واللسان، والأسنان، والحبال الصوتية، وأجزاء أخرى من الفم لإصدار أصوات مفهومة.

حتى يتمكن الطفل من النطق بشكل صحيح، عليه أولاً أن يفهم الأصوات في لغته الأم، ويعرف كيف تُركب هذه الأصوات لتكوّن كلمات ذات معنى. هذا النمو يحدث تدريجياً، ويختلف من طفل إلى آخر. ومن الطبيعي تماماً أن يقوم الأطفال بأخطاء نطق في المراحل الأولى من تعلُّم الكلام، كأن يبدّلوا حرفاً بآخر أو يختصروا الكلمات. ومع ذلك، فإن التطور الملحوظ يبدأ عادةً بالظهور مع اقتراب الطفل من عمر ثلاث سنوات، حيث يصبح قادرًا على إصدار كلمات وجمل يُفهم معظمها من قبل الوالدين والمحيطين به.

هذا لا يعني أن الطفل يجب أن يتحدث بوضوح تام في هذا العمر، ولكن القدرة على التواصل الأساسي والفهم من قبل الآخرين تُعتبر علامة جيدة على أن تطور النطق يسير في الاتجاه الصحيح.

كيفية التعرف على اضطرابات النطق

إذا كنت تشك في أن طفلك قد يعاني من اضطراب في النطق، يمكنك الانتباه لمدى فهم الأشخاص الذين لا يعرفون طفلك لما يقوله.

🔹 في عمر سنتين ونصف: يجب أن يفهم شخص غريب حوالي نصف ما يقوله الطفل.

🔹 في عمر 4-5 سنوات: يجب أن يفهم شخص غريب حوالي ثلاثة أرباع ما يقوله الطفل.

🔹 في عمر 6-7 سنوات: يجب أن يفهم شخص غريب معظم ما يقوله الطفل.

يمكن أن يحدث اضطراب النطق عندما يواجه الطفل مشكلة جسدية مثل الحنك المشقوق، أو بسبب فقدان السمع. ومع ذلك، لا يعاني معظم الأطفال من سبب محدد لاضطراب النطق. كما أن اضطرابات النطق تختلف عن تأخر اللغة؛ حيث يتمكن الأطفال المصابون باضطرابات النطق من فهم الكلمات والجمل بشكل جيد، بينما قد يستخدم الأطفال الذين يعانون من تأخر اللغة عدداً قليلاً من الكلمات بالنسبة لأعمارهم أو يجدون صعوبة في فهم ما يقال لهم.

اضطرابات النطق عند الأطفال من عمر 1 إلى 8 سنوات: كيف تكتشفها وتتعامل معها؟
اضطرابات النطق عند الأطفال من عمر 1 إلى 8 سنوات: كيف تكتشفها وتتعامل معها؟

متى يجب الحصول على المساعدة لاضطرابات النطق؟

في بعض الحالات، قد لا يكون تأخر نطق الطفل مجرد مرحلة طبيعية من مراحل النمو، بل إشارة إلى اضطراب يحتاج إلى متابعة وتدخل مبكر. إذا لاحظت أن طفلك لا يتحدث بالطريقة المتوقعة لعمره، أو أن تطوره اللغوي بطيء مقارنة بالأطفال الآخرين في نفس المرحلة، فمن الأفضل عدم الانتظار.

يُنصح بزيارة أخصائي نطق ولغة إذا كان طفلك:

🔹 يبدو غير ناضج في طريقته بالتحدث مقارنة بأقرانه، أو يستخدم عدداً محدوداً جداً من الأصوات

🔹 لا يتمكن من نطق الكلمات بوضوح، أو يستخدم أصواتاً غير مفهومة تُعيق التواصل

🔹 يشعر بالإحباط أو الغضب عندما لا يُفهم من قِبل الآخرين، ما قد يؤدي إلى الانطواء أو الانفعال الزائد

🔹 يعاني من مشاكل في السمع، لأن القدرة على سماع الأصوات بوضوح ضرورية لتعلّم النطق بشكل سليم

كما يجب استشارة مختص إذا:

🔹 لم ينطق أي كلمات بحلول عمر 18 شهراً

🔹 لا يستخدم جمل بسيطة بعمر 3 سنوات

🔹 لا يفهم التعليمات البسيطة أو لا يستجيب لاسمه

🔹 يكرر كلمات أو أصواتاً بطريقة غير معتادة لفترات طويلة

الجدير بالذكر أن التشخيص المبكر يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في قدرة الطفل على التواصل بثقة وسلاسة لاحقاً. التدخل في الوقت المناسب يساعد الطفل على اللحاق بأقرانه، ويمنع تطوّر المشكلة إلى صعوبات أكبر في المدرسة أو الحياة اليومية.

كيفية مساعدة الطفل في تطوير النطق

مساعدة الطفل على تطوير النطق لا تتطلب أدوات معقدة أو جلسات تعليم رسمية، بل تبدأ من خلال التفاعل اليومي والداعم. من الطبيعي أن ينطق الأطفال الكلمات بطريقة مختلفة عن البالغين، خاصة في السنوات الأولى، ولا يُنصح بتصحيحهم بشكل دائم أو صارم، لأن ذلك قد يسبب لهم الإحباط أو القلق من التحدث.

بدلاً من التصحيح المباشر، يمكن استخدام طرق بسيطة تساعد الطفل على تحسين نطقه بشكل طبيعي:

استخدم التلميحات اللطيفة: إذا قال الطفل كلمة بطريقة خاطئة، يمكنك تكرار الكلمة بشكل صحيح ضمن جملة مشجعة. مثلاً، إذا قال “بوس” بدلاً من “بوصلة”، قل: “نعم، إنها بوصلة جميلة!” دون الإشارة إلى الخطأ.

شجّعه على الإشارة: عندما يكون من الصعب فهم ما يقوله، اطلب منه أن يشير إلى ما يتحدث عنه. هذا يساعد في تعزيز التواصل حتى لو لم تكن الكلمات واضحة تماماً.

استخدم الأسئلة المفتوحة: مثل “أين كنت؟” أو “ماذا كنت تفعل؟” للحصول على مزيد من التفاصيل التي تساعدك على فهمه أكثر، وتشجعه على استخدام مفردات جديدة.

ساعده على التحدث ببطء: يمكنك تشجيعه بلطف بعبارات مثل: “خذ وقتك، أنا أسمعك” أو “تحدث ببطء حتى أفهمك أكثر”.

أظهر له أنك تستمع بتركيز: النظر في عينيه وهز الرأس والابتسام عندما يتحدث، تعطيه شعوراً بأن كلماته مهمة ومسموعة، مما يعزز ثقته بنفسه.

اقرأ له القصص وتحدث معه كثيراً: فالاستماع للكلمات في سياقات متعددة يساعد الطفل على التعرف على النطق السليم والتراكيب اللغوية المختلفة.

كل تفاعل يومي هو فرصة لمساعدة الطفل على تطوير نطقه بطريقة طبيعية وآمنة. الصبر والتشجيع هما المفتاح. وإذا شعرت أن هناك تحديات أكبر، فاستشارة مختص ستكون الخطوة المثالية التالية.

أخطاء النطق الطبيعية: متى تكون عادية ولا تدعو للقلق؟

من الطبيعي جداً أن يمر الأطفال في المراحل المبكرة من الطفولة ببعض الصعوبات في نطق الكلمات، وغالباً ما يُبسط الأطفال الأصوات لتسهيل التحدث، وهذا جزء طبيعي وصحي من تطورهم اللغوي. فمثلاً، قد يقول الطفل: “أفر” بدلاً من “أصفر”، أو “تسية” بدلاً من “كرسي”. هذه الأخطاء شائعة ولا تعني بالضرورة وجود مشكلة في النطق، بل هي مؤشر على أن الطفل يحاول استخدام اللغة ويكتشف طريقة التعبير بها.

إذا كان طفلك في عمر 3 سنوات ويستخدم هذه التبسيطات لكنه يستطيع التواصل بشكل واضح مع من حوله، ويُفهم أغلب كلامه من قبلك ومن قبل الآخرين، فلا داعي للقلق. ولكن، إذا لاحظت أن طفلك:

🔹 يرتكب عدداً كبيراً من الأخطاء في معظم كلماته

🔹 أو كان من الصعب على الآخرين فهمه حتى في الكلمات البسيطة

🔹 أو بدا عليه الإحباط لأنه لا يُفهم بسهولة

💡 يمكن أن يكون للتدخل المبكر تأثير كبير في تحسين قدراته وتقوية ثقته بنفسه عند التحدث، وتذكّر أن كل طفل يتطور بوتيرته الخاصة، والفروقات بين الأطفال طبيعية.

الأهم هو المراقبة الدقيقة والدعم المستمر

اضطرابات النطق ليست سبباً للذعر، بل هي فرصة للتدخل المبكر والمساعدة في بناء أساس لغوي سليم للطفل. من خلال الانتباه إلى طريقة نطق الطفل، ومقارنة تطوره بالمراحل المتوقعة لعمره، يمكن للأهل تحديد ما إذا كان يحتاج إلى دعم إضافي. التوجيه من مختص النطق واللغة يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في رحلة الطفل نحو الطلاقة والتواصل الواضح. وتذكّر دائماً أن الصبر والتشجيع هما أهم الأدوات لمساعدة الطفل على تجاوز أي صعوبات في التعبير عن نفسه بثقة.

المصدر

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *